فصل: تفسير الآية رقم (62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (62):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)}
قوله تعالى: {وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الأمر الجامع الجمعة والعيدان والاستسقاء وكل شيء يَكون فيه الخطبة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنه الجهاد، قاله زيد بن أسلم.
الثالث: طاعة الله، قاله مجاهد.
{لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَئْذِنُوهُ} أي لم ينصرفوا عنه حتى يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.
{فَإِذَا اسْتَئذَنُوكَ لبَعْضِ شَأْنِهِمْ} الآية. وهذا بحسب ما يرى من أعذارهم ونياتهم وروي أن هذا نزل في عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليهم وسلم في غزاة بتوك فاستأذنه في الرجوع إلى أهله فقال: «انْطَلِقْ فَوَاللَّهِ مَا أَنتَ بِمُنَافِقٍ وَلاَ مُرْتَابٍ» وكان المنافقون إذا استأذنوا نظر إليهم ولم يأذن لهم فكان بعضهم يقول لبعض: محمدٌ يزعم أنه بُعِث بالعدل وهكذا يصنع بنا.
{وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} يعني لمن أذن له من المؤمنين ليزول عنه باستغفاره ملامة الانصراف قال قتادة: وهذه الآية ناسخة قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَدِنتَ لَهُم} الآية.

.تفسير الآيات (63- 64):

{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}
قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضاً} الآية. فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه نهي من الله عن التعرض لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسخاطه لأن دعاءه يوجب العقوبة وليس كدعاء غيره، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه نهي من الله عن دعاء رسول الله بالغلظة والجفاء وَلْيَدْعُ بالخضوع والتذلل: يا رسول الله، يا نبي الله، قاله مجاهد، وقتادة.
الثالث: أنه نهي من الله عن الإِبطاء عند أمره والتأخر عند استدعائه لهم إلى الجهاد ولا يتأخرون كما يتأخر بعضهم عن إجابة بعض، حكاه ابن عيسى.
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً} فيه قولان:
أحدهما: أنهم المنافقون كانوا يتسلّلُون عن صلاة الجمعة لواذاً أي يلوذ بعضهم ببعض ينضم إليه استتاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن على المنافقين أثقل من يوم الجمعة وحضور الخطبة فنزل ذلك فيهم، حكاه النقاش.
الثاني: أنهم كانوا يتسللون في الجهاد رجوعاً عنه يلوذ بعضهم ببعض لواذاً فنزل ذلك فيهم، قاله مجاهد.
وقال الحسن معنى قوله: {لِوَاذاً} أي فراراً من الجهاد، ومنه قول حسان ابن ثابت:
وقريش تجول منكم لواذاً ** لم تحافظ وخفّ منها الحلوم

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} فيه قولان:
أحدهما: يخالفون عن أمر الله، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة.
ومعنى قوله: {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي يعرضون عن أمره، وقال الأخفش: {عَنْ} في هذا الموضع زائدة ومعنى الكلام فليحذر الذين يخالفون أمره، وسواء كان ما أمرهم به من أمور الدين أو الدنيا.
{أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} فيها ثلاثة تأويلات:
أحدها: كفر، قاله السدي.
الثاني: عقوبة، قاله ابن كامل.
الثالث: بلية تُظْهِرُ ما في قلوبهم من النفاق، حكاه ابن عيسى.
{أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فيه قولان:
أحدهما: القتل في الدنيا، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: عذاب بجهنم في الآخرة.

.سورة الفرقان:

.تفسير الآيات (1- 3):

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)}
قوله تعالى: {تَبَارَكَ} في تبارك ثلاثة أوجه:
أحدها: تفاعل مع البركة، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الذي يجيئ البركة من قِبَلِهِ، قاله الحسن.
الثالث: خالق البركة: قاله إبراهيم.
وفي البركة ثلاثة أقاويل:
أحدها: العلو. الثاني: الزيادة.
الثالث: العظمة. فيكون تأويله على الوجه الأول: تعالى، وعلى الوجه الثاني تزايد، وعلى الوجه الثالث: تعاظم.
و{الْفُرْقَانَ} هو القرآن وقيل إنه اسم لكل كتاب منزل كما قال تعالى: {وَإِذ ءَاتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفَرْقَانَ} وفي تسميته فرقاناً وجهان:
أحدهما: لأنه فرق بين الحق والباطل.
الثاني: لأن فيه بيان ما شرع من حلال وحرام، حكاه النقاش.
{عَلَى عَبْدِهِ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وقرأ ابن الزبير {عَلَى عِبَادِهِ} بالجمع.
{لِيَكُونَ لِلْعَالَمينَ نَذِيراً} فيه قولان:
أحدهما: ليكون محمد نذيراً، قاله قتادة، وابن زيد.
الثاني: ليكون الفرقان، حكاه ابن عيسى. والنذر: المحذر من الهلاك، ومنه قول الشاعر:
فلما تلاقينا وقد كان منذر ** نذيراً فلم يقبل نصيحة ذي النذر

والمراد بالعالمين هنا الإِنس والجن لأن النبي صلى الله عليه قد كان رسولاً إليهما ونذيراً لهما وأنه خاتم الأنبياء، ولم يكن غيره عامّ الرسالة إلا نوحاً فإنه عم برسالته جميع الإِنس بعد الطوفان لأنه بدأ به الخلق، واختلف في عموم رسالته قبل الطوفان على قولين:
أحدهما: عامة لعموم العقاب بالطوفان على مخالفته في الرسالة.
الثاني: خاصة بقومه لأنه ما تجاوزهم بدعائه.

.تفسير الآيات (4- 6):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)}
قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني مشركي قريش، وقال ابن عباس: القائل منهم ذلك النضر بن الحارث.
{إِن هذَآ} يعني القرآن.
{إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ} أي كذب اختلقه.
{وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ} وفيمن زعموا أنه أعانه عليه أربعة أقاويل:
أحدها: قوم من اليهود، قاله مجاهد.
الثاني: عبد الله الحضرمي، قاله الحسن.
الثالث: عدّاس غلام عتبة، قاله الكلبي.
والرابع: أبو فكيهة الرومي، قاله الضحاك.

.تفسير الآيات (7- 14):

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)}
قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم قالوا ذلك إزراء عليه أنه لما كان مثلهم محتاجاً إلى الطعام ومتبذلاً في الأسواق لم يجز أن يتميز عليهم بالرسالة ووجب أن يكون مثلهم في الحكم.
الثاني: أنهم قالوا ذلك استزادة له في الحال كما زاد عليهم في الاختصاص فكان يجب ألاّ يحتاج إلى الطعام كالملائكة، ولا يتبذل في الأسواق كالملوك.
ومرادهم في كلا الوجهين فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه ليس يوجب اختصاصه بالمنزلة نقله عن موضع الخلقة لأمرين:
أحدهما: أن كل جنس قد يتفاضل أهله في المنزلة ولا يقتضي تمييزهم في الخلقة كذلك حال من فضل في الرسالة.
الثاني: أنه لو نقل عن موضوع الخلقة بتمييزه بالرسالة لصار من غير جنسهم ولما كان رسولاً منهم، وذلك مما تنفر منه النفوس.
وأما الوجه الثاني: فهو أن الرسالة لا تقتضي منعه من المشي في الأسواق لأمرين:
أحدهما: أن هذا من أفعال الجبابرة وقد صان الله رسوله عن التجبر.
الثاني: لحاجته لدعاء أهل الأسواق إلى نبوته، ومشاهدة ما هم عليه من منكر يمنع منه ومعروف يقر عليه.
{لَوْلآَ أُنزِلَ إِلَيهِ} الآية أي هلا أُنزل إليه {مَلَكٌ} وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون الملك دليلاً على صدقه.
الثاني: أن يكون وزيراً له يرجع إلى رأيه.
{أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ} فلا يكون فقيراً.
{أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} والجنة البستان فكأنهم استقلّوه لفقره. قال الحسن: والله ما زَوَاهَا عن نبيه إلا اختياراً ولا بسطها لغيره إلا اغتراراً ولوا ذاك لما أعاله.
قوله: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} يعني مشركي قريش وقيل إنه عبد الله بن الزبعرى.
{إِن تَبَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} فيه وجهان:
أحدهما: سحر فزال عقله.
الثاني: أي سَحَرَكُمْ فيما يقوله.
قوله تعالى: {انظُرْ كَيفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ} يعني ما تقدم من قولهم.
{فَضَلُّواْ} فيه وجهان:
أحدهما: فضلواْ عن الحق في ضربها.
الثاني: فناقضوا في ذكرها لأنهم قالوا افتراه ثم قالوا تملى عليه وهما متناقضان.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مخرجاً من الأمثال التي ضربوها، قاله مجاهد.
الثاني: سبيلاً إلى الطاعة لله، قاله السدي.
الثالث: سبيلاً إلى الخير، قاله يحيى بن سلام.
قوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً} قال عبد الله بن عمرو: إن جهنم لتضيق على الكافرين كضيق الزج على الرمح.
{مُّقَرَّنِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: مُكَتَفِينَ، قاله أبو صالح.
الثاني: يقرن كل واحد منهم إلى شيطانه، قاله يحيى بن سلام.
{دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: ويلاً، قاله ابن عباس.
الثاني: هلاكاً، قاله الضحاك.
الثالث: معناه وانصرافاه عن طاعة الله، حكاه ابن عيسى وروي النبي صلى الله عليه السلام أنه قال: «أَوَّلُ مَن يَقُولُهُ إِبْلِيسُ»